فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: قالت اليهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا محمد إنك إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين، إنك سمعت ذكرهم منا، فأخبرنا عن نبيّ لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد، قال: «ومن هو»؟ قالوا: ذو القرنين، قال: «ما بلغني عنه شيء»، فخرجوا فرحين قد غلبوا في أنفسهم، فلم يبلغوا باب البيت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى القرنين}.
وأخرج عبد الرزاق، ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أدري أتبع كان نبيًا أم لا؟ وما أدري أذو القرنين كان نبيًا أم لا؟ وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؟»، وأخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل عليّ عن ذي القرنين أنبيّ هو؟ قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «هو عبد ناصح الله فنصحه» وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، وابن أبي عاصم في السنة، وابن مردويه من طريق أبي الطفيل: أن ابن الكواء سأل عليّ بن أبي طالب عن ذي القرنين أنبيًا كان أم ملكًا؟ قال: لم يكن نبيًا ولا ملكًا، ولكن كان عبدًا صالحًا أحبّ الله فأحبه الله، ونصح لله فنصحه الله، بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فمات، ثم أحياه الله لجهادهم، ثم بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر فمات، فأحياه الله لجهادهم، فلذلك سمي ذا القرنين، وإن فيكم مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عمرو قال: ذو القرنين نبيّ.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الأخرص بن حكيم، عن أبيه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال: «هو ملك مسح الأرض بالأسباب» وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن خالد بن معدان الكلاعي مرفوعًا مثله.
وأخرج ابن عبد الحكم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد، وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب: أنه سمع رجلًا ينادي بمنى يا ذا القرنين، فقال عمر: ها أنتم قد سمعتم بأسماء الأنبياء فما بالكم وأسماء الملائكة؟ وفي الباب غير ما ذكرناه مما يغني عنه ما قد أوردناه.
وقد أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الدلائل عن عقبة بن عامر الجهني حديثًا يتضمن: أن نفرًا من اليهود سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء، وكان فيما أخبرهم به «أنه كان شابًا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السدّ»، وإسناده ضعيف، وفي متنه نكارة، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، ذكر معنى هذا ابن كثير في تفسيره وعزاه إلى ابن جرير والأموي في مغازيه، ثم قال بعد ذلك: والعجب أن أبا زرعة الداري مع جلالة قدره ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوّة، انتهى.
وقد ساقه بتمامه السيوطي في الدرّ المنثور، وساق أيضًا خبرًا طويلًا عن وهب بن منبه وعزاه إلى ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والشيرازي في الألقاب، وأبي الشيخ، وفيه أشياء منكرة جدًّا، وكذلك ذكر خبرًا طويلًا عن محمد الباقر أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، ولعل هذه الأخبار ونحوها منقولة عن أهل الكتاب، وقد أمرنا بأن لا نصدقهم ولا نكذبهم فيما ينقلونه إلينا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وآتيناه مِن كُلّ شيء سَبَبًا} قال: علمًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن أبي هلال: أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا، قال له كعب: إن كنت قلت ذلك فإن الله قال: {وآتيناه مِن كُلّ شيء سَبَبًا}.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاصر، أن ابن عباس ذكر له: أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف {تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَامِيَةً} قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: ما نقرؤها إلا {حمئة} فسأل معاوية عبد بن عمرو كيف تقرؤها؟ فقال عبد الله: كما قرأتها، قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: في بيتي نزل القرآن، فأرسل إلى كعب، فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب: سل أهل العربية فإنهم أعلم بها، وأما أنا فإني أجد في التوراة في ماء وطين، وأشار بيده إلى المغرب.
قال ابن أبي حاصر: لو أني عند كما أيدتك بكلام تزداد به بصيرة في حمئة.
قال ابن عباس: وما هو؟ قلت: فيما نأثر قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم واتباعه إياه:
قد كان ذو القرنين عمر مسلمًا ** ملكًا تذلّ له الملوك وتحشد

فأتى المشارق والمغارب يبتغي ** أسباب ملك من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها ** في عين ذي خلب وثاط حرمد

فقال ابن عباس: ما الخلب؟ قلت: الطين بكلامهم، قال: فما الثأط؟ قلت: الحمأة.
قال: فما الحرمد؟ قلت: الأسود، فدعا ابن عباس غلامًا فقال: اكتب ما يقول هذا الرجل.
وأخرج الترمذي، وأبو داود الطيالسي، وابن جرير، وابن المنذر عن أبيّ بن كعب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كان يقرأ: {فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ}».
وأخرج الطبراني، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعًا مثله. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}.
وهو الإسكندر الكبير المقدوني وسنذكر وجه تلقيبه بذلك: {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} أي: نبأً مذكورًا معجزًا، أنزله الله عليَّ.
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} أي: بالقوة والرأي والتدبير والسعة في المال والاستظهار بالعدد وعظم الصيت وكبر الشهرة {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}، أي: طريقًا موصلاَ إليه. والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة.
{فَأَتْبَعَ سَبَبًا} قرئَ بقطع الهمزة وسكون التاء. وقرئ بهمزة الوصل وتشديد التاء. فقيل هما بمعنى ويتعديان لمفعول واحد. وقيل: أَتْبَعَ بالقطع يتعدى لاثنين. والتقدير: فأتبع سببًا سببًا آخر. أو فأتبع أمره سببًا كقوله: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} [القصص: 42].
وقال أبو عبيدة: اتبع بالوصل في السير وأتبع بالقطع معناه اللحاق كقوله: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10]، وقال يونس: أتبع بالقطع للجد الحثيث في الطلب وبالوصل مجرد الانتقال. والفاء في قوله: فأتبع فاء الفصيحة. أي: فأراد بلوغ المغرب فأتبع سببًا يوصله، لقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أي: أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي: ذات حمأة وهو الطين الأسود، وقرئ: {حامية} أي: حارّة. وقد تكون جامعة للوصفين ووَجَدَ يكون بمعنى رأى لما ذكره الراغب: {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} أي: أمة. ثم أشار تعالى إلى أنه مكنه منهم، وأظهره بهم، وحكمه فيهم وجعل له الخيرة في شأنهم، بقوله: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ} أي: بالقتل وغيره: {وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} بالعفو. ثم بين تعالى عدله وإنصافه، ليحتذى حذوه، بقوله سبحانه: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ} أي: بالبغي والفساد في الأرض بالشرك والضلال والإضلال: {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ} أي: في الآخرة: {فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرا} أي: منكرًا لم يعهد مثله.
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ} أي: في الدارين: {جَزَاءً الْحُسْنَى} يقرأ بالرفع والإضافة. وهو مبتدأ، أو مرفوع بالظرف أي: فله جزاء الخصلة الحسنى. يقرأ بالرفع والتنوين و: {الْحُسْنَى} بدل أو خبر مبتدأ محذوف. ويقرأ بالنصب والتنوين. أي: فله الحسنى جزاءً. فهو مصدر في موضع الحال. أي: مجزيًّا بها. أو هو مصدر على المعنى. أي: يجزي بها جزاءً أو تمييز. ويقرأ بالنصب من غير تنوين. وهو مثل المنون إلا أنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين. أفاده أبو البقاء.
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي: طريقًا راجعًا من مغرب الشمس، موصلًا إلى مشرقها {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} أي: من المباني والجبال.
{كَذَلِكَ} أي: أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك. أو أمره فيهم، كأمره في أهل المغرب من الحكم المتقدم. أو صفة مصدر محذوف لوجد أي: وجدها تطلع وجدانًا كوجدانها تغرب في عين حمئة. أو معمول بلغ أي: بلغ مغربها كما بلغ مطلعها، ولا يحيط بما قاساه غير الله. أو صفة قوم أي: على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس، في الكفر والحكم: {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} أي: علمًا. نحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه. لا يخفى علينا منها شيء، وإن تفرقت أممهم وتقطّعت بهم الأرض. وفي التذييل بهذا، إشارة إلى كثرة ما لديه من العَدَد والعُدَد، بحيث لا يحيط بها إلا علمه تعالى.
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي: طريقًا ثالثًا معترضًا بين المشرق والمغرب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}.
افتتاح هذه القصة ب {وَيَسْئَلُونَكَ} يدلّ عل أنها مما نزلت السورة للجواب عنه كما كان الابتداء بقصة أصحاب الكهف اقتضابًا تنبيهًا على مثل ذلك.
وقد ذكرنا عند تفسير قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربّي} في سورة الإسراء (85) عن ابن عباس: أن المشركين بمكة سألوا النبي ثلاثة أسئلة بإغراء من أحبار اليهود في يثرب.
فقالوا: سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عنها كلها فليس بنبيء.
وإن أجاب عن بعضها وأمسك عن بعض فهو نبيء؟.
وبيّنا هنالك وجه التعجيل في سورة الإسراء النازلة قبل سورة الكهف بالجواب عن سؤالهم عن الروح وتأخير الجواب عن أهل الكهف وعن ذي القرنين إلى سورة الكهف.
وأعقبنا ذلك بما رأيناه في تحقيق الحق من سَوق هذه الأسئلة الثلاثة في مواقع مختلفة.
فالسائلون: قريش لا محالة، والمسؤول عنه: خبر رجل من عظماء العالم عرف بلقب ذي القرنين، كانت أخبار سيرته خفيّة مُجملة مغلقة، فسألوا النبي عن تحقيقها وتفصيلها، وأذن له الله أن يبين منها ما هو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل، وفي عجيب صنع الله تعالى في اختلاف أحوال الخلق، فكان أحْبار اليهود منفردين بمعرفة إجمالية عن هذه المسائل الثلاث وكانت من أسرارهم فلذلك جَرّبوا بها نبوءة محمد.
ولم يتجاوز القرآن ذكر هذا الرجل بأكثر من لقبه المشتهر به إلى تعيين اسمه وبلاده وقومه، لأن ذلك من شؤون أهل التاريخ والقصص وليس من أغراض القرآن، فكان منه الاقتصار على ما يفيد الأمة من هذه القصة عبرة حِكميةً أو خُلقيةً فلذلك قال الله: {قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِنهُ ذِكرًا}.
والمراد بالسؤال عن ذي القرنين السؤال عن خبره، فحذف المضاف إيجازًا لدلالة المقام، وكذلك حذف المضاف في قوله: {مِنْهُ} أي من خبره و مِن تبعيضية.
والذكر: التذكر والتفكر، أي سأتلو عليكم ما به التذكر، فجعل المتلو نفسه ذكرًا مبالغة بالوصف بالمصدر، ولكن القرآن جاء بالحق الذي لا تخليط فيه من حال الرجل الذي يوصف بذي القرنين بما فيه إبطال لما خلط به الناس بين أحوال رجال عظماء كانوا في عصور متقاربة أو كانت قصصهم تُساق مساق من جاسوا خلال بلاد متقاربة متماثلة وشوهوا تخليطهم بالأكاذيب، وأكثرهم في ذلك صاحب الشاهنامة الفردوسي وهو معروف بالأكاذيب والأوهام الخرافية.
اختلف المفسرون في تعيين المسمى بذي القرنين اختلافًا كثيرًا تفرقت بهم فيه أخبار قصصية وأخبار تاريخية واسترواح من الاشتقاقات اللفظية، ولعل اختلافهم له مزيد اتصال باختلاف القصّاصين الذين عُنوا بأحوال الفاتحين عناية تخليط لا عناية تحقيق فراموا تطبيق هذه القصة عليها.
والذي يجب الانفصال فيه بادىء ذي بدء أن وصفه بذي القرنين يتعين أن يكون وصفًا ذاتيًا له وهو وصف عربي يظهر أن يكون عرف بمدلوله بين المثيرين للسؤال عنه فترجموه بهذا اللفظ.
ويتعين أن لا يحمل القرنان على الحقيقة، بل هما على التشبيه أو على الصورة.
فالأظهر أن يكونا ذُؤابتين من شعر الرأس متدليتين، وإطلاق القرن على الضفيرة من الشعر شائع في العربية، قال عُمر بن أبي ربيعة:
فلثمت فاها آخذًا بقُرونها ** شُرب النزيف ببرَد ماء الحشرج

وفي حديث أم عطية في صفة غسل ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قالت أم عطية: «فجعلنا رأسها ثلاثة قرون»، فيكون هذا الملك قد أطال شعر رأسه وضفره ضفيرتين فسمي ذا القرنين، كما سمّي خِربَاق ذا اليدين.
وقيل: هما شبه قرني الكبش من نحاس كانا في خوذة هذا الملك فنُعت بهما.
وقيل: هما ضربتان على موضعين من رأس الإنسان يشبهان منبتي القرنين من ذوات القرون.
ومن هنا تأتي الأقوال في تعيين ذي القرنين، فأحد الأقوال: إنه الإسكندر بن فيليبوس المقدوني.
وذكروا في وجه تلقيبه بذي القرنين أنه ضفر شعره قرنين.
وقيل: كان يلبس خوذة في الحرب بها قرنان، وقيل: رسم ذاته على بعض نقوده بقرنين في رأسه تمثيلًا لنفسه بالمعبود آمون معبود المصريين وذلك حين ملَك مصر.
والقول الثاني: إنه ملك من ملوك حمير هو تُبّع أبو كرب.
والقول الثالث: أنه ملك من ملوك الفرس وأنه أفريدون بن أثفيان بن جمشيد.
هذه أوضح الأقوال، وما دونها لا ينبغي التعويل عليه ولا تصحيح روايته.
ونحن تجاه هذا الاختلاف يحق علينا أن نستخلص من قصته في هذه الآية أحوالًا تقرّب تعيينه وتزييف ما عداه من الأقوال، وليس يجب الاقتصار على تعيينه من بين أصحاب هذه الأقوال بل الأمر في ذلك أوسع.
وهذه القصة القرآنية تعطي صفات لا محيد عنها:
إحداها: أنه كان ملكًا صالحًا عادلًا.
الثانية: أنه كان ملهَمًا من الله.
الثالثة: أن مُلكه شمل أقطارًا شاسعة.
الرابعة: أنه بلغ في فتوحه من جهة المغرب مكانًا كان مجهولًا وهو عين حَمئة.
الخامسة: أنه بلغ بلاد يأجوج ومأجوج، وأنها كانت في جهة مما شمله ملكه غير الجهتين الشرقية والغربية فكانت وسطًا بينهما كما يقتضيه استقراء مبلغ أسبابه.
السادسة: أنه أقام سدًّا يحول بين ياجوج وماجوج وبين قوم آخرين.
السابعة: أن ياجوج وماجوج هؤلاء كانوا عائثين في الأرض فسادًا وأنهم كانوا يفسدون بلاد قوم موالين لهذا الملك.
الثامنة: أنه كان معه قوم أهل صناعة متقنة في الحديد والبناء.
التاسعة: أن خبره خفيّ دقيق لا يعلمه إلاّ الأحبار علمًا إجماليًا كما دل عليه سبب النزول.
وأنت إذا تدبرت جميع هذه الأحوال نفيت أن يكون ذو القرنين إسكندر المقدوني لأنه لم يكن ملكًا صالحًا بل كان وثنيًا فلم يكن أهلًا لتلقي الوحي من الله وإن كانت له كمالات على الجملة، وأيضًا فلا يعرف في تاريخه أنه أقام سُدًّا بين بلدَين.